اثار العلاج الكيميائي على النخاع العظمي
________________________________________
يتم إنتاج كريات الدم المختلفة بالنخاع العظمي، و هو النسيج الإسفنجي اللين و المسمى بالنخاع الأحمر، و المتواجد داخل جزء العظام المعروف بالعظم الإسفنجي، و يوجد غالبا في العظام المسطحة، مثل عظم الجمجمة، و الأكتاف، و الضلوع، و عظام الحوض، و مفاصل الذراعين و الرجلين، و تتمثل وظيفته الأساسية في إنتاج خلايا الدم، و يتكون النخاع العظمي من الخلايا المولدة لمكونات الدم ( hematopoieticcells )، و خلايا دهنية، و أنسجة تساعد على نمو خلايا الدم، و تُعرف الخلايا المولدة للدم بخلايا الأرومة أو خلايا المنشأ ( Stemcells).
و هي تقوم بالتكاثر بشكل متواصل، لتنتج خلايا منشأ جديدة، يبقى جزء منها على حاله كخلايا إنشائية مولدة تواصل التكاثر، بينما يتوقف الجزء الآخر عن التكاثر و يمر بسلسلة من التحولات المتعاقبة و الانقسامات التراكمية، لينضج متحولا إلى خلايا الدم المختلفة ( كريات الـدم البيضـاء و الحمراء و الصفائح الدموية )، و التي تواصل مراحل نموها و نضجها داخل النخاع قبل الانتقال إلى الدورة الدموية لتأدية وظائفها.
و من ناحية أخرى، تكمن فاعلية العقاقير الكيماوية في مقدرتها على التداخل مع مراحل التطور و النمو السريع للخلايا السرطانية، و التي هي بطبيعتها خلايا نشطة و سريعة النمو و التكاثر، مما يعيق وظائفها الحيوية و يؤدي إلى تدميرها، و بالمقابل تؤثر العقاقير على بعض أنواع الخلايا الطبيعية التي تنمو بسرعة و تتكاثر بغزارة و دائمة الاستبدال، مما يؤدي بدوره إلى نشوء المضاعفات الجانبية المصاحبة للعلاج الكيماوي.
و التي يُعد من أهمها و أكثرها شيوعا، ما يٌعرف اصطلاحاً بإحباط النخاع العظمي
( bonemarrowsuppression )، و الذي ينجم عن التأثير المدمر للعقاقير الكيماوية على أنسجة و خلايا النخاع العظمي، مما يؤدي إلى قصوره عن إنتاج الكمّ اللازم من كريات الدم المختلفة، و انخفاض معدلاتها بالدورة الدموية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى نشوء عدة مخاطر تنجم عن ضعف فاعلية كريات الدم لنقص تعدادها، إضافة إلى ضرورة تعديل الجرعات العلاجية أو إيقافها لحين تعافي النخاع، مما يقلل من فاعلية المعالجة ضد الخلايا الورمية.
تجدر الإشارة إلى أن أنواع كريات الدم تختص بوظائف محددة، فكريات الدم الحمراء ( Redbloodcells ) تحتوي على الهيموجلوبين ( Hemoglobin ) أو خضاب الدم الذي يحمل الأكسجين من الرئتين إلى كافة خلايا الجسم، و يعود محملا بثاني أكسيد الكربون، و يؤدي نقصها إلى نشوء فقر الدم، و تُعد كريات الدم البيضاء ( Whitebloodcells ) العنصر الأساسي في المنظومة المناعية بالجسم، و تختص بمهاجمة الأجسام الغريبة مثل البكتيريا أو الفيروسات و تكافح العدوى، و يتسبب نقصها في ضعف الجهاز المناعي و يؤدي إلى سهولة التقاط أنواع العدوى المختلفة دون المقدرة على مقاومتها.
بينما تلعب الصفائح الدموية ( platelets ) الدور الرئيسي في عمليات تجلط الدم، مما يرتق الجروح أو القطوع أو التمزقات بأي موضع بالجسم و يوقف النزف، و يؤدي نقصها إلى فقد المقدرة على تجلط الدم و بالتالي سهولة النزف لأدنى سبب و بأي موضع بما في ذلك الأعضاء الحيوية الداخلية.
كما أن لخلايا الدم فترات حياة متفاوتة و محددة بالدورة الدموية تبلى بعدها و تنتهي، و يتم استبدالها بإنتاج جديد من النخاع العظمي بشكل مستمر و متواصل، حيث يبلغ متوسط عمر الكريات البيضاء حوالي ست ساعات، بينما يبلغ متوسط فترة حياة الصفائح الدموية حوالي عشرة أيام، أما كريات الدم الحمراء فتعيش في المتوسط حوالي 120 يوما.
و يجدر بالذكر أن تعداد كريات الدم بالدورة الدموية لا ينخفض بشكل فوري عقب البدء بتلقي جرعات العلاج الكيماوي، إذ أن العقاقير لا تؤثر بشكل مباشر على خلايا الدم الموجودة بالدورة الدموية، بينما تؤثر بالمقابل على أنسجة النخاع المنتجة لخلايا الـدم، و على الخلايا القاصرة التي ما تزال تمر بأطوار الولادة و النمو السريع و تتسبب في تدميرها، الأمر الذي يؤدي في المحصلة إلى إحباط النخاع و إعاقته عن إنتاج كريات دم جديدة.
و بانتهاء فترة حياة خلايا الدم الموجودة بالدورة الدموية، و عجز النخاع المُحبط عن إنتاج البدائل، يبدأ تعداد خلايا الدم في الانخفاض إلى مستويات حرجة، و خلال فترات زمنية متفـاوتة، ( تبعا لنـوع العقار الكيمـاوي المستخدم و جرعته بطبيعة الحال )، و تستمر وضعية الإحباط و هبوط معدلات تعداد خلايا الدم لحين تعافى النخاع و عودته إلى وتيرة الإنتاج العادية عقب مرور فترات زمنية متفاوتة.
و من هنا يسمى اقل مستوى يبلغه تعداد خلايا الدم عند إحباط النخاع بمستوى الندرة ( nadir )، و يصل تعداد كل نوع من خلايا الدم إلى هذا المستوى خلال فترات متفاوتة عقب تلقي المعالجات، حيث قد يبلغ تعداد الكريات البيضاء و الصفائح الدموية مستوى الندرة خلال فترات تتراوح بين 3 إلى 7 أيام و أحيانا خلال 14 يوما، بينما قد يبلغه تعداد الكريات الحمراء خلال عدة أسابيع، إذ أنها تعيش لفترة أطول.
و من جهة أخرى يتم بشكل دائم إجراء التحليلات الدورية المختلفة للدم عند تلقي العلاج الكيماوي، و منها تعداد خلايا الدم الكُلي (completebloodcountCBC ) و أحيانا بشكل يومي، لمراقبة تأثيرات العقاقير على النخاع و التقلبات في معدلات خلايا الدم، ( كما قد يتم استخلاص عينات من النخاع لتفحّص الخلايا المنتجة لكريات الدم )، و بطبيعة الحال يعتبر المريض في الوضع الحرج عند بلوغ التعدادات لمستوى الندرة، و تتخذ الإجراءات الطبية اللازمة و الإحتياطات الوقائية، بما في ذلك تعديل الجرعات العلاجية بتخفيضها أو تأجيلها أو إيقافها لحين عودة المعدلات إلى المستويات الملائمة.
و الجدير بالذكر أن الدراسات السريرية للعديد من الأورام قد أثبتت أن معدلات الشفاء تنخفض بين المرضى، حين يضطر الأطباء إلى تخفيض الجرعات العلاجية أو تأجيلها لفترات متطاولة، بسبب من مضاعفات إحباط النخاع، بينما ترتفع حين يتمكن المرضى من تلقي الجرعات كاملة، و حسب الجدولة الزمنية المحددة للخطط العلاجية.