حينما نتذكر قدوم ذلك الشهر الكريم؛ يذرف الكثير منا
الدمعات فرحًا بقدومه، دموع فرحة بنعمة الله علينا أن منحنا فرصة الطاعة
والتزود من الخير قبل لقائه، ولكن ثمة دموع تسيل من الأعين لأسبابٍ أخرى؛
جاء رمضان ولكِ أن تتأملي فيما مر من الزمن بين رمضان الفائت ورمضان الذي
يطرق أبوابنا بعد أيام؛ كم من قوم رحلوا؟! كم من أخت جمعتنا بها الأيام
رحلت إلى الدار الآخرة؟!
سكنت باطن الأرض بعد أن كانت تغدو وتروح على
ظهرها.
ونهب لاستقبال ذلك الشهر العظيم.
فلعله آخر رمضان:
وقبل
أن نتحدث أيتها العزيزة الغالية عن كيفية استقبال ذلك الشهر هلُمِّي معي
لنعرف كيف أحوال الناس فيه،
وأقسامهم في استقباله، لنعرفَ لنا حالًا،
ونختارَ لنا قسمًا.
أقسام الناس مع رمضان:
يتميز الناس في أحوالهم
مع رمضان إلى ثلاثة أقسام:
1- الصنف الأول: هو صنف أوى إلى رمضان،
وقام ليله، وصام نهاره، وأقام ما أمره الله، وانتهى عن ما نهى الله، وعاهد
الله على التوبة والالتزام وعدم النكوص، ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ
إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ
نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ
عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا))[الفتح:10]، قد عاهد
نفسه على أن يغير نفسه نحو الأحسن، وكره أن يعود في المعصية والكفر كما كره
أن يقذف في النار، وهذه حلاوة الإيمان، فيجدها في قلبه تعينه على
الاستمرارية والطاعة وعدم النكوص.
2- الصنف الثاني: تفاعل مع رمضان
على استحياء من الله واستحياء من الناس، فهو يستحي من الله ويستحي من
الناس؛
قد قام رمضان وصامه لكنه لم يعقد العزم على التوبة والإنابة،
فهو متردد بين ذلك وذلك، أولئك قال الله تعالى عنهم:
((وَآَخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ))[التوبة:102]،
فهؤلاء يحتاجون إلى عزيمة وإصرار ورغبة قوية في
عدم التخليط، والتخلص نهائيًا من أسر وطغيان الهوى.
3- وصنف ثالث:
دخل عليهم رمضان ثم خرج، ولم يحرك فيهم ساكنًا، ولم يؤثر في حياتهم، ولم
يهز شيئًا من ذرات كيانهم،
كأنهم المعرضون الذين تتلى عليهم آيات الله
فيُدْبِرُون عنها ويفرون منها، هؤلاء هم الصنف الخطير والأخطر في المجتمع.
ويجب
ان نتذكر أن رمضان شاهدٌ علينا قبل: (شهر رمضان ليس مثله في سائر الشهور،
ولا فضلت به أمة غير هذه الأمة في سائرالدهور،
الذنب فيه مغفور والسعي
فيه مشكور، والمؤمن فيه محبور، والشيطان مبعد مثبور،والوزر والإثم فيه
مهجور،
وقلب المؤمن بذكر الله معمور، وقد أناخ بفنائكم هوعن قليل راحل
عنكم، شاهد لكم أو شاهد عليكم،
مؤذن بشقاوة أو سعادة، أو نقصان أو
زيادة، وهوضيف مسئول من عند رب لا يحول ولا يزول، يخبر عن المحروم منكم
والمقبول.
فالله الله، أكرموا نهاره بتحقيق الصيام، واقطعوا ليله بطول
البكاء والقيام،فلعلكم أن تفوزوا بدار الخلد والسلام،